الخطبة الثانية
مسألتنا الفقهية تتعلق بشأن كفارة اليمين.
فبعض الناس يعتقد أن كفارة اليمين هي صيام ثلاثة أيام، فترى بعضهم إذا حلف على أخيه يقول له: لا تجعلني أصوم ثلاثة أيام، وهذا خطأ.
والصواب: أن كفارة اليمين على الترتيب الذي ذكره الله عز وجل فقال:﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة: 89].
فيختار واحدة من هذه الخصال الثلاثة ويفعلها: إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم أهله أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، ومن فعل واحدة منها فقد برئت ذمته، وفعل ما وجب عليه، فإن عجز عن جميع الخصال الثلاثة؛ انتقل إلى الصوم، فيصوم ثلاثة أيام.
ولا يجوز له الانتقال إلى الصيام وهو مستطيع الإطعام أو الكسوة أو العتق؛ لقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ﴾، قال ابن المنذر رحمه الله: "أجمعوا على أن الحالف الواجد للإطعام، أو الكسوة، أو الرقبة، لا يجزئه الصوم إذا حنث في يمينه" [12].
فمن حلف على شيء، ثم حنث في يمينه، وصام مع قدرته على إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فإن صومه غير مجزئ، وعليه أن يأتي بالكفارة وهي الإطعام أو الكسوة أو العتق، والصوم يكون نافلة له.
فلا يجوز لك الصيام، وعندك الاستطاعة على إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم.
[1] صحيح مسلم، كِتَابُ الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ –باب: (4/ 2282)، برقم (2970).
[2] صحيح البخاري، كتاب الرقاق- باب كَيْفَ كَانَ عَيْشُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ، وَتَخَلِّيهِمْ مِنَ الدُّنْيَا: (8/ 121)، برقم (6454).
[3] المنحة والمنيحة: أن يعطيه ناقة أو شاة، ينتفع بلبنها ويعيدها؛ النهاية لابن الاثير: (4/ 364).
[4] صحيح مسلم، كِتَابُ الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ –باب: (4/ 2283)، برقم (2972).
[5] سنن الترمذي، أَبْوَابُ الزُّهْدِ- بَابُ مَا جَاءَ فِي مَعِيشَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَهْلِهِ: (4/ 158)، برقم (2360)، وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
[6] أخرجه البخاري (4913).
[7] أخرجه مسلم (2038).
[8] بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية 4/ 155.
[9] أخرجه أحمد في مسنده: (23854)، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده جيد.
[10] سنن الترمذي، أَبْوَابُ صِفَةِ الْقِيَامَةِ وَالرَّقَائِقِ وَالْوَرَعِ -بَابُ مَا جَاءَ فِي شَأْنِ الْحِسَابِ وَالْقَصَاصِ: (4/ 191)، برقم (2418)، قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
[11] صحيح مسلم، كتاب الإمارة - بَابُ غِلَظِ تَحْرِيمِ الْغُلُولِ (3/ 1461)، برقم (1831).
[12] الإجماع لابن المنذر: (ص:157).