«كيف أعاودك وهذا أثر فأسك؟»، مثل يطلق على من يخون العهد، اقتبس من قصة خيالية حدثت بين رجل وثعبان، مغزى الحكاية أن أخذ الحذر واجب ممن خان العهد، وانقلب على المواثيق والعهود، الحكاية تحدث يوميا بين البشر، وخاصة من معظم الساسة والانتهازيين.
أصل هذا المثل على ما حكته العرب على لسان الحيّة، فقيل إن أخوين كانا في إبل لهما، فحصل أن أجدبت مراعيهما في إحدى السنين. كان بالقرب منهما وادٍ خصيب فيه حيّة تحميه من المتطفلين، فقال أحدهما لأخيه: يا فلان، لو أني أتيت هذا الوادي المُكلأ فرعيت فيه إبلي وأصلحتها، فرد أخوه: إني أخاف عليك الحيّة، ألا ترى أن أحداً لا يهبط ذلك الوادي إلا أهلكته؟ قال الأخ: فوالله لأفعلن، فهبط الوادي ورعى به إبله زمناً، ثم ان الحيّة نهشته فقتلته، فقال أخوه: والله ما في الحياة بعد أخي خير فلأطلبن الحية ولأقتلنها أو لأتبعن أخي.
هبط الأخ ذلك الوادي في طلب الحيّة ليقتلها، فقالت الحيّة له: ألست ترى أني قتلت أخاك؟ فهل لك في الصلح فأدعك ترعى إبلك في هذا الوادي وأعطيك كل يوم ديناراً ما بقيت؟ فكر الأخ ملياً طمعاً فيما عرض عليه، ثم سألها: أو فاعلةٌ أنت؟ قالت: نعم، قال: وإني أيضاً لفاعل. تعاهد الأخ مع الحيّة وأعطاها المواثيق بألا يضرها أبدا، فجعلت تعطيه كل يوم ديناراً حتى كثر ماله وزاد حلاله، وصار من أحسن الناس حالاً، إلا أنه في أحد الأيام تذكر أخاه، وقال محدثاً نفسه: كيف ينفعني العيش وأنا أنظر إلى قاتلة أخي؟
ومن فوره عمد الى جحرها وقعد متربصاً بها بفأسه، فما أن مرت من أمامه وهي مطمئنة إليه حتى ضربها، إلا أنه أخطأها وأصاب الجبل فوق جحرها فأحدث فيه أثرا، هربت منه الحيّة وقطعت عنه الدينار بعد أن خانها. خاف الرجل من شرها، وندم على فقده الدينار الذي كان يحصل عليه يوميا، وعلى المرعى الغني الذي يرعى فيه إبله، فسألها: هل لك في أن نتواثق ونعود إلى ما كنّا عليه؟ فقالت: «كيف أعاودك وهذا أثر فأسك؟» فذهب هذا القول مثلاً لمن لا يفي بعهوده.
النابغة الذبياني سرد تلك الحكاية شعرا، بقصيدة مطلعها:
وإني لألقى من ذوي الغيّ منهمُ
وما أصبحت تشكو من الشجو ساهرهْ
كما لقيت ذات الصّفا من حَليفها
وكانت تُريه المال غبّاً وظاهرهْ
ملحوظة: منقولة بتصرف بسيط.